Friday, August 11, 2017

لن ينتصر الاعلام الحقيقي الا باخلاقه وقواعده




  1. حسام عزالدين:
    لم تعد السيطرة على وسائل الاتصال الاجتماعي( السوشيال ميديا )  في الاراضي الفلسطينية ممكنة، لا بقانون الجرائم الالكترونية الذي تسود بشأنه نقاشات وجدال نشأ بعد اقراره وليس قبل ذلك، ولا بعمليات الاعتقال والاستدعاءات التي يشغل فيها الصحافيين يوما بعد اخر، فشخص واحد يعيش في  الخارج من الممكن ان يصبح فضائية انباء يهرب اليه بقليل من المعلومات من يعيش  داخل الاراضي الفلسطينية، وهذا الشخص بإمكانه أن ينسج على هذه المعلومة قصص الف ليلة وليلة، لكن العبرة في النهاية في مدى ثقة المتلقي بتلك المعلومة.

    كثير من القصص التي تناقلتها وسائل الاتصال الاجتماعي، بخاصة في العالم العربي، تبين لاحقا انها مفبركة وتم فبركتها لأغراض اما سياسية او شخصية...الخ، لكن في النهاية تبين انها  غير حقيقية.

    وهذه الفبركة والقدرات الهائلة  لدى العديد من رواد صفحات الانترنت على قلب الحقيقة الى تضادها  في ثواني، سواء المعلومة المكتوبة او الصورة،  تجعل الانظمة والاجهزة الامنية في مواقف لا يحسدون عليها وان تسلحوا بأعتي وسائل الحماية والملاحقة.

    والشيء الاخر، وهو الاهم ، ان التلاعب في صفحات الانترنت وضخ المعلومات الصحيحة والخاطئة، لم يعد حكرا على وسيلة اعلام بهيئاتها التحريرية الكاملة ،بل بات الامر في اياد ( مراهقين صغار، ومراهقين كبار، خريجين جدد، سياسيين، ناشطين باحثين عن عمل، أي مواطن يحمل جهاز نقال ذكي)، وبات هذا الشخص  هو المراسل والمحرر والمدقق والناشر، بمعنى ان بلمسة هاتف قد يتفوق على هيئة تحرير كاملة.

    وهذا التطور الهائل على سرعة واليات نقل المعلومة ( الخاطئة او الصحيحة) وضع الاعلام الحقيقي ( وسائل الاعلام) في حالة حرب ( غير معلنة) مع الاعلام الاجتماعي من حيث القدرة على  اكتساب ثقة المتلقي.

    ويشعر كثير من العاملين في وسائل الاعلام بشيء من الاحباط نتيجة الكم الهائل من المنافسين، الذين باتوا يشغلون الراي العام ويتنافسون على اكتساب المتلقي، لدرجة  ارتفاع نسبة المتنبئين بإمكانية انهيار وسائل الاعلام امام هذا الزحف المتواصل لراود الانترنت نحو عقول المتلقين.

    لكن هذا الاحباط في الحقيقة لا مكان له، اذا اخذنا بالاعتبار قواعد واصول العمل الاعلامي، وتحديدا مفهوم  اخلاقيات العمل الاعلامي التي بدأ العاملون في وسائل الاعلام في جميع انحاء العالم اتباعها لتحييد الناشطين الاجتماعيين عن  امكانية ضخ المعلومة كما يريدون.

    فالمتلقي ( الرأي العام) وبسبب حجم المعلومات الغزير الذي يصل ذهنه يوميا، من خلال تتبعه لوسائل الاتصال الاجتماعي، بات في حيرة من امره، لدرجة انه لم يعد يقلق كثيرا بهذه المعلومات، الا الجديد منها.

    وفي ظل تلك الحيرة التي يعيشها المتلقي، وفي ظل  غابة المعلومات (العشوائية) التي تصل كل ثانية الى المتلقين، تفتح بوابة انقاذ الاعلام ووسائل الاعلام  الحقيقية، من خلال الحفاظ على مصداقيتها باتباع قواعد العمل الاعلامي وبالتالي اكتساب ثقة المتلقي.

    وصل العاملون في المجال الاعلامي مراحل متقدمة في الالتزام بقواعد المهنة واصولها، ونحن هنا في الاراضي الفلسطينية لا زلنا نعتقد ان اخلاقيات العمل الاعلامي هي تلك الاخلاق المرتبطة بالسلوك الاجتماعي اليومي، بمعنى ( الشتم، البزق، السب، الضرب، الخمر، الزنى ...) لكن عند الحديث عن اخلاقيات العمل الاعلامي لا يتعلق الامر بتاتا بهذه المفاهيم سابقة الذكر التي يفصلها قانون العقوبات والقوانين المدنية.

    قواعد العمل الاعلامي التي يجمع عليها العاملون في وسائل الاعلام في مختلف انحاء العالم، هي ذات القواعد التي يتعلمها طلاب الاعلام في الجامعات الفلسطينية والعربية بشكل عام، او تلك الموجودة في بلاد الواق واق،  والتي بكل بساط تتمثل في الالتزام " باليات الوصول الى المعلومة، وتوثيقها، واعطاء كل طرف حقه في ابداء رايه عن القضية المثارة، بكل حيادية وموضوعية، والصدق، وتجنب التلاعب في المعلومة  ان كانت صورة او خبر مكتوب كان ام  مذاع، واحترام خصوصية اطراف القصة او الخبر الاعلامي".

    كثير من الصحافيين العاملين في وسائل الاعلام المحلية باتوا جزء اصيل من النشاط الدائر عبر صفحات الانترنت، ولم يعودوا قادرين على التفريق بين مهنتهم الملتزمة بقواعد العمل الاعلامي وبين حقهم في الابداء عن رايهم المدني، ولذلك اختلط الحابل بالنابل، وبات الصحافي لا يعرف خلال تظاهرة مثلا، ان كانت وظيفته ان يحمل لافتة سياسية او تغطية الخبر عن هذه التظاهرة، وهذا ما ساعد في ملاحقتهم.

    فلا اجد معنى ان صحافي او صحافية، يعمل لدى وسيلة اعلام معينة، وقام قبل يومين بكتابة قصة خبرية لوسيلته التي يعمل فيها، عن حريق اتى على عائلة بكاملها، يقف في اليوم الثاني في تظاهرة ويحمل لافتة  تطالب بإقالة وزير الصحة مثلا او مسؤول الدفاع المدني بسبب تأخر علاج العائلة.

    حق الصحافي او الصحافية (المدني) ان يتظاهر ويبدي وجهة نظره من اجل التغيير، لكن دوره الاعلامي في نقل تفاصيل التفاصيل الموثقة للراي العام، واكتساب ثقة العالم بقصته، قد  تحدث التغيير المنشود اكثر من وقوفه في التظاهرة ورفعة لتلك اللافتة، اضافة الى ان هناك من  العاملين في الدفاع عن الحقوق المدنية ودورهم الرئيسي حمل تلك اللافتة.

No comments: